أدرك أن الدكتور حازم الببلاوي يقع تحت ضغط كبير ، سواء من الشارع الهائج بشكل شبه يومي ، أو الضغوط الاقتصادية التي لا يمكن إخفاء وطأتها بكل الكلام الدعائي المعسول الذي يصرح به الوزراء للإعلام ، أو الضغوط التي يتعرض لها من قبل أجنحة في السلطة تتعمد إظهار ضعفه وهامشية دوره ، ولكن كل ذلك لا يجعله يتجاهل الكلام الخطير الذي قاله المستشار هشام جنينة ، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، والذي أكد فيه على أن وزير العدل الحالي المستشار عادل عبد الحميد متورط في الفساد المالي ، وأنه حصل على مبالغ مالية تتجاوز المليون جنيه من المال العام عن طريق غير مشروع ، وأن الجهة الرقابية الأكثر احتراما في مصر قدمت ملفه أكثر من مرة إلى رئاسة الجمهورية وإلى رئاسة الوزراء وإلى النائب العام ، وهي الجهات الثلاث المخول لها تسلم تقارير هذا الجهاز ، الدكتور الببلاوي في البداية قال أنه يستغرب هذا الكلام لأن الجهات الرقابية لم تنبهه إلى وجود مثل هذه الأمور ، وأن الوزراء يتم استطلاع رأي الجهات الرقابية قبل تكليفهم بالوزارة ، وأنا أصدق الببلاوي في ذلك ، ولكن المشكلة أن المستشار جنينة ، أحد أشرف من أنجبهم القضاء المصري في تاريخه ، قال أن هذا الكلام غير صحيح وأن مجلس الوزراء والنائب العام ورئاسة الجمهورية لديهم الملف كاملا عن فساد وزير العدل ، وتخريج الأمر ربما يعود إلى أن الببلاوي لم يطلع على هذا التقرير بالفعل ، لحداثة عهده بالحكومة ، وربما أن السرعة التي تم بها اختيار الوزارة الجديدة جعلت بعض الوزراء يمرون دون انتظار تقارير الجهات الرقابية ، وخاصة في حالة وزير العدل ، وهو قاض سابق رفيع ، ولكن الآن حصحص الحق ، ونحن أمام حقيقة اتهام واضح وصريح من قبل أهم وأخطر جهاز رقابي في مصر ضد وزير العدل بأنه فاسد ، وحصل على المال الحرام حتى أثناء عمله بالوزارة في الفترة الأولى بعد الثورة أيام المشير طنطاوي ، حيث حصل على أربعمائة ألف جنيه من إحدى الشركات بدون معنى . هذه وضعية خطيرة جدا ، وتشوه صورة الببلاوي نفسه ، وتطعن في مصداقية الحكومة كلها إذا تجاهلت الرد على ذلك ، وكذلك إذا تجاهل الوزير المعني توضيح موقفه ، إنه متهم علنا بأنه فاسد ، ومع ذلك يلتزم الصمت ، وفي هذه الحالة يكون هذا الموقف اعترافا ضمنيا منه بالاتهام ، وصمته وصمت الببلاوي سيفسر على أنه محاولات مستميتة للوسطاء لحمل الجهاز المركزي على الصمت الآن حتى يتم تغيير الحكومة في ظروف طبيعية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة ، هذا غير مقبول ، كما أنه سيتسبب في حرج لمؤسسة العدالة بكاملها ، لأن بعض أطرافها الحساسة لهم مصالح أسرية متداخلة مع وزارة العدل ومرتهنة إداريا بقرارات الوزير نفسه ، ولذلك أعتقد أنه إما أن يتقدم الوزير من تلقاء نفسه بالاستقالة من منصبه ، حماية لسمعة القضاء كله ومؤسسة العدالة ، وإما أن يتقدم من تلقاء نفسه إلى النائب العام بطلب للتحقيق في تلك الاتهامات وجلائها أمام الرأي العام ، وأن يتم انتداب قاض تحقيق مستقل في الواقعة ، ولا أعرف كيف يتم انتداب قاضي التحقيق في هذه الحالة ، لأن الذي ينتدبه عادة هو الوزير نفسه ، لكن المهم أن يكون هناك تحقيق شفاف وناجز وعاجل لجلاء الحقيقة . القضاء هو عماد أي دولة ، بما أنها دولة ، ويمكن أن تسقط أشياء كثيرة في الدولة وتبقى متماسكة ، إلا أن يسقط القضاء أو يتلوث أو يفقد شرفه ومصداقيته ، لن تكون هناك دولة ، وإنما فوضى عارمة ، وبهذه المناسبة ، ما زلت مصرا على أن تتمسك لجنة الخمسين لصياغة الدستور الجديد بما ورد في دستور 2012 من قطع الطريق على انتداب القضاة لبعض أعمال السلطة التنفيذية بمقابل مادي ، لأن هذا من أعظم أبواب الفساد التي نبه إليها شيخ القضاة الراحل الكبير المستشار يحيى الرفاعي ، وكان مؤسفا للغاية أن تعمد لجنة العشرة البائسة والمنحرفة التي أعدت تعديلات الدستور الجديد إلى حذف هذه المادة ، بما فهم منه أنه حرص على أن يبقى باب الفساد على مصراعيه لغواية القضاة ومحاولة شراء ضمائر البعض منهم .